تحول حضري نحو الاستدامة يشق طريقه في شرم الشيخ
  بين جبال سيناء والبحر الأحمر، تحولت شرم الشيخ من قرية صيد هادئة إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية في مصر. غير أن ما وراء شهرتها العالمية، تكمن مدينة تتبنى فرص التحول نحو الاستدامة.
يشكل تحول شرم الشيخ نموذجًا يُحتذى به في كيفية قيادة قطاع السياحة لعملية التحول الأخضر في المدن. وقد أثبتت مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مثل "مصر للطاقة الشمسية الصغيرة" و"شرم الشيخ الخضراء"، أن الاستثمارات المحدودة يمكن أن تُفضي إلى تغييرات واسعة وتحولات جذرية تمهد لتحولات شاملة في ممارسات الاستدامة. وكان على المدينة أن تجد حلولًا لمشكلات كارتفاع استهلاك الطاقة في الفنادق، وتلوث وسائل النقل، والنفايات الناتجة عن السكان والزوار. هذه التحديات، إلى جانب الاعتماد على الوقود الأحفوري والتأثر بتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، فرضت ضرورة التحول العاجل إلى الطاقة المستدامة.
في عام 2022، عندما استضافت شرم الشيخ مؤتمر الأطراف (COP27)، توافقت الحاجة إلى السياحة المستدامة مع دور مصر كمضيف للمؤتمر وإبراز التزام إفريقيا بالعمل المناخي. وأسفر ذلك عن إطلاق مبادرة "شرم الشيخ الخضراء" عبر نهج متكامل يشمل حلول الطاقة المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والسياحة المستدامة.
بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتمويل من مرفق البيئة العالمي، إلى جانب العديد من الشركاء الإنمائيين وحكومة مصر، ركز هذا التحول على توسيع نطاق الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وتعزيز أنظمة النقل المستدام، وتشجيع الحفاظ على المياه، وتحسين إدارة النفايات، وتوسيع الاستثمارات الخضراء للقطاع الخاص، ودعم المبادرات المجتمعية للسياحة المستدامة.
وقال أليساندرو فراكاسيتّي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر:
"لقد رأينا في مؤتمر الأطراف COP27 لحظة حاسمة لتسريع انتقال مصر إلى مدن خضراء ومستدامة. أصبحت شرم الشيخ، المدينة المستضيفة للمؤتمر، نموذجًا يُحتذى به في هذا التحول. ومن خلال شراكة وثيقة مع الحكومة المصرية، والسلطات المحلية، ووزارة البيئة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وشركاء آخرين، عملنا على مبادرات تتجاوز الطاقة المتجددة. من تركيب محطات طاقة شمسية متوسطة الحجم في أنحاء المدينة إلى دمج أنظمة شمسية صغيرة في الفنادق الكبرى والمباني الرئيسية – بما في ذلك المطار، ومركز المؤتمرات الدولي الذي استضاف المؤتمر، ومتحف شرم الشيخ، والمستشفى، والمدارس والجامعات، والمناطق المحمية، وإنارة الشوارع – فقد أولينا أولوية لحلول الطاقة النظيفة. وفي الوقت ذاته، دعمنا استراتيجيات الحد من استخدام البلاستيك وحملات التوعية المجتمعية، مما عزز نهجًا شاملًا نحو الاستدامة. وتعكس هذه المبادرات التزامًا طويل الأمد لتحويل شرم الشيخ إلى وجهة عالمية رائدة في السياحة الخضراء".
تشغيل السياحة بالطاقة المتجددة
يسلط ارتفاع انبعاثات قطاع السياحة الضوء على التحديات المستمرة في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والأهداف المناخية. ومع ذلك، بدأت الألواح الشمسية على الأسطح وأنظمة كفاءة الطاقة تُعيد تشكيل استخدام الطاقة في القطاعات ذات الطلب العالي.
وفي إطار التحول الأخضر، تبنت فنادق شرم الشيخ أنظمة الألواح الشمسية على الأسطح، ومصابيح LED الموفرة للطاقة، وتقنيات ترشيد استهلاك المياه. وبفضل تمويل تأسيسي، استثمرت عدة فنادق كبرى في هذه الأنظمة. فعلى سبيل المثال، ركّب فندق "عروس شرم" نظامًا شمسيًا بقدرة 650 كيلوواط، مع خطط لتوسيعه إلى 1 ميغاواط. كما بدأ فندق "مونتي كارلو" بتركيب نظام شمسي بقدرة 300 كيلوواط ووسع لاحقًا قدرته إلى 850 كيلوواط، لتغطية ما بين 25 إلى 30% من إجمالي استهلاكه للكهرباء. وقد أدى هذا الاستثمار الأولي إلى وفورات في فواتير الطاقة، مما ألهم فنادق أخرى وسلاسل فندقية لاعتماد مبادرات مماثلة.
ونتيجة لذلك، شهدت المدينة نموًا كبيرًا في قدرات الطاقة الشمسية المركبة التي بلغت 50 ميغاواط في عام 2024، أي عشرة أضعاف قدرات عام 2020، مما أسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 4,050 طنًا سنويًا – وهو ما يعادل الحفاظ على قدرة امتصاص الكربون لما مساحته 60 كيلومترًا مربعًا من الشعاب المرجانية. وقد دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سابقًا التحول الكامل نحو مصابيح LED في مصر، ما ساعد الفنادق على خفض استهلاك الكهرباء بنسبة تصل إلى 30%.
شرم الشيخ نحو مجتمع متحرك وخالٍ من النفايات
لدعم وسائل النقل الصديقة للبيئة، وفرت البلدية خمسة حافلات كهربائية تعمل حاليًا في شوارع المدينة، مما يسهم في الحد من التلوث الهوائي والضوضائي، ويدعم السياحة. ويعزز هذا الاتجاه كذلك التوسع في شبكات مسارات الدراجات الهوائية.
وفي الوقت نفسه، قامت المدينة بتطوير أنظمة إدارة النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي. وتم إنشاء مطمر صحي جديد لتقليل التسرب ومنع الحرق العشوائي للنفايات، إلى جانب محطة لإعادة التدوير تعزز استرجاع الموارد. كما زوّد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، مستشفى شرم الشيخ بوحدة تعقيم وتمزيق للنفايات الطبية خالية من الانبعاثات، لتحل محل المحرقة التقليدية. وتمت أيضًا استثمارات كبيرة في تحسين إمدادات المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.
المجتمع شريك أساسي في العمل البيئي
كان إشراك المجتمع المحلي عنصرًا محوريًا في التحول الأخضر بشرم الشيخ، حيث شارك السكان بنشاط في اتخاذ القرار، وتبني الممارسات المستدامة، والاستفادة من فرص جديدة.
وقد ساهمت الحملات العامة – بما في ذلك التوعية بكفاءة الطاقة وتوزيع 1.5 مليون حقيبة قابلة لإعادة الاستخدام – في تعزيز التغيير السلوكي، في حين حصل عمال محليون على وظائف ومهارات من خلال مشاريع الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات، والأنشطة السياحية البيئية. كما تلقت مراكز الغوص تدريبات ضمن برنامج "الزعانف الخضراء"، وهو برنامج بيئي يمنح شهادات للممارسات المسؤولة لحماية الشعاب المرجانية.
وأظهر استطلاع رأي حديث أن 82.7% من سكان المدينة راضون عن نظافة الشوارع وجمالها، مع تعليقات إيجابية بشأن المساحات الخضراء الجديدة.
وقد عززت الجهود المجتمعية من خلال مبادرات السياحة البيئية والسياحة المستدامة بقيادة المجتمع المحلي من هذا الانخراط. وكان للقبائل البدوية الأصلية في محمية نبق دور محوري، حيث شارك نحو 310 أفراد في تدريبات ودعم فني مصمم خصيصًا للتحول نحو سبل عيش مستدامة مثل السياحة البيئية والحرف اليدوية والخدمات البيئية. ومن خلال رسم الخرائط التشاركي والمشاورات، ساهمت المجتمعات البدوية في رسم ملامح التنمية المستدامة في المنطقة، عبر مزيج من الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الفرص الاقتصادية.
وقالت سمر، وهي رائدة أعمال مصرية، استفادت من الطاقة الشمسية في مشروع مزرعتها البيئية:
"كان لدي حلم بامتلاك مشروعي الخاص. وهذا الحلم يتحقق الآن. عندما بدأت، كنت قلقة من أن الألواح الشمسية تتطلب صيانة وتكلف كثيرًا. لكن مفهومي تغير تمامًا بعد أن فهمت التكنولوجيا والعائد الاستثماري. الآن أزود المزرعة بطاقة نظيفة من الألواح الشمسية، بتكلفة أقل من المولدات التقليدية".
المدن قادرة على بناء مستقبل أخضر
يؤكد تحول شرم الشيخ الدور المحوري للمراكز الحضرية في تحقيق الأهداف المناخية الوطنية والعالمية. وتهدف المساهمات المحددة وطنيًا المحدثة لمصر إلى الوصول بنسبة الطاقة المتجددة إلى 42% بحلول عام 2035. ويمكن أن تسهم الاستثمارات المستهدفة في البنية التحتية المستدامة في مساعدة المدن على تقليل الانبعاثات وتعزيز الصمود، خاصة في ظل الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن التحديات الإقليمية كالحرب في غزة، والتي تهدد ما يقرب من خمس سنوات من التقدم التنموي.
وكما توضح مبادرات شرم الشيخ، فإن التحول الأخضر ممكن ويعود بفوائد متعددة. فمن خلال استثمار محدود نسبيًا في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، أطلقت المدينة تحولًا أوسع في سلوك السوق، ملهمةً مدنًا أخرى وقطاعات متعددة للسير نحو ممارسات مستدامة. فضلاً عن خفض الانبعاثات، أسهمت هذه الاستثمارات في تقليل فواتير الطاقة من خلال الطاقة الشمسية، وتقليل التلوث الهوائي والضوضائي بفضل الحافلات الكهربائية، وتحقيق بيئة أنظف عبر تحسين إدارة النفايات وتقليل استخدام البلاستيك، وتعزيز مشاركة المجتمع.